من التعاون إلى القصف.. "جسور بوست" يرصد سجل مطاردات الولايات المتحدة للبرنامج النووي الإيراني
67 عاما من القلق الأمريكي
منذ عقود، رسمت الولايات المتحدة مسارًا متأرجحًا في علاقاتها مع البرنامج النووي الإيراني، بدأ بالدعم، وانتهى فجر 22 يونيو 2025 بضربات عسكرية مباشرة استهدفت ثلاث منشآت نووية استراتيجية داخل إيران، في خطوة دراماتيكية تزامنت مع تصاعد المواجهات بين طهران وتل أبيب، حليفة واشنطن، منذ أكثر من أسبوع.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطاب متلفز، تنفيذ الغارات الجوية على المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية، مؤكدًا أن الضربات "محت" المواقع المستهدفة، ومحذرًا من أن بلاده قد توسع هجماتها إذا لم تعد طهران إلى طاولة المفاوضات.
وألمح ترامب كذلك إلى إمكانية السعي لتغيير النظام الإيراني، قائلاً إن "نهاية خامنئي ستكون نهاية المشروع النووي ذاته".
وتباينت آراء الخبراء العسكريين والمختصين بالشأن الإيراني الذين تحدثوا لـ"جسور بوست" حول تأثير الضربات في مستقبل المشروع النووي الإيراني.
فبينما يرى البعض أن إيران قادرة على إعادة بناء قدراتها اعتمادًا على خبراتها المحلية، يعتقد آخرون أن الضربات قد تفتح الباب أمام مرحلة مصيرية، إما باتجاه مفاوضات جديدة أو مواجهة أوسع قد تشمل إغلاق مضيق هرمز، ما يجعل فرص التهدئة ضئيلة ومعلّقة بخيط رفيع من التفاهمات الغائبة.
مسار طويل من العقوبات والضربات
ورصدت "جسور بوست" تطورات العلاقة بين واشنطن والمشروع النووي الإيراني، والتي مرت بمحطات رئيسية على مدار أكثر من 60 عامًا فيما يأتي:
1957 بدأ التعاون النووي بين واشنطن وطهران بتوقيع شاه إيران محمد رضا بهلوي اتفاقية "الذرة من أجل السلام" مع الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور.
1974 أعلن الشاه خططًا طموحاً لبناء 23 محطة نووية، ووقّعت إيران اتفاقيات مع شركات أوروبية لبناء مفاعلات في بوشهر وبندر عباس.
1979 قطع العلاقات بعد الثورة الإيرانية، وخروج الشركات والعلماء الأجانب.
1984 تقارير أمريكية تزعم سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، وتبدأ أولى العقوبات.
1995 اتفاق مع روسيا لاستكمال محطة بوشهر، والكونغرس الأمريكي يقر عقوبات إضافية.
2002 المعارضة الإيرانية تكشف منشآت نووية سرية في نطنز وأراك.
2006 الوكالة الدولية تحيل الملف لمجلس الأمن، والولايات المتحدة تقود قرارات عقوبات لاحقة.
2010 هجوم بفيروس "ستوكسنت" على منشآت نووية إيرانية.
2013-2015 محادثات بين إيران ودول (5+1) تنتهي باتفاق نووي تاريخي.
2018 إدارة ترامب تنسحب من الاتفاق وتعيد فرض العقوبات.
2020 اغتيال قاسم سليماني يعمق التوتر، وإيران تستأنف أنشطتها النووية.
2021-2022 جولات تفاوض متعثرة في فيينا.
2023 صفقة تبادل سجناء وتجميد أصول مقابل تهدئة مؤقتة.
2024-2025 تصاعد التوتر بسبب حرب غزة، وتحوّل المشهد إلى صدام مفتوح في يونيو بين إسرائيل وإيران، انتهى بتدخل أمريكي مباشر.
وحملت الضربات الأمريكية الأخيرة أكثر من رسالة، أبرزها دعم حاسم لإسرائيل في معركتها الممتدة، وضغط مباشر على طهران لإعادة النظر في مشروعها النووي، إلى جانب تحذير ضمني من أن أي تصعيد إضافي، مثل إغلاق مضيق هرمز أو استهداف مصالح أمريكية، قد يفتح أبواب مواجهة واسعة.
وفي خطاب أعقب الغارات، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن بلاده أوفت بوعدها بتدمير المشروع النووي الإيراني، مضيفًا أن الضربة الأمريكية "نُفذت بتنسيق كامل مع إسرائيل"، ما يؤكد أن واشنطن لم تعد تكتفي بالدبلوماسية وحدها، بل استعادت سياسة "الردع الاستباقي".
الخيارات تضيق نحو المواجهة
في أعقاب الضربات الأمريكية التي استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية فجر 22 يونيو، تباينت تحليلات الخبراء العسكريين والسياسيين بشأن تأثير العملية في مستقبل المشروع النووي الإيراني، واحتمالات التصعيد أو العودة إلى طاولة المفاوضات.
بدوره أكد العميد المتقاعد هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات في بيروت، أن "الولايات المتحدة، ومعها لاحقًا إسرائيل، تتمسكان منذ عقود بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، عبر مسارات متداخلة من المفاوضات والعقوبات وصولًا إلى استخدام القوة".
وأضاف جابر في تصريح لـ"جسور بوست" أن "الضربة الأمريكية الأخيرة لم تُنهِ الحلم الإيراني، ولا أوقفت مسار تخصيب اليورانيوم"، مشيرًا إلى تقارير تفيد بأن إيران نقلت طرود التخصيب خارج المواقع المستهدفة، وهو ما يفسر عدم رصد أي تسرب إشعاعي عقب الغارات.
ورأى أن "التصعيد الأمريكي من شأنه أن يزيد من تشدد الموقف الإيراني، وربما يفتح الباب أمام حرب إقليمية واسعة"، مرجحًا في الوقت ذاته عودة طهران للمفاوضات، ما يعيد المشهد إلى المربع الأول، "وإلا ستواصل إيران قصف إسرائيل وممارسة ضغوطها بوسائل أخرى".
قصف نوعي وخيارات محدودة
من جانبه، وصف رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، الضربة الأمريكية بأنها "نقلة نوعية في تاريخ استهداف القدرات النووية الإيرانية"، معتبرًا أنها "تشكل تحولًا استراتيجيًا قد يدفع طهران إلى خيارين لا ثالث لهما: العودة للمفاوضات أو مواجهة المزيد من الضربات التي قد تفضي إلى تغيير النظام".
وتابع فيصل، وهو دبلوماسي عراقي سابق، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن إيران قد تلجأ إلى التصعيد المباشر ضد إسرائيل أو استهداف القواعد الأمريكية في سوريا والعراق والخليج، فضلًا عن احتمال تحريك حلفائها مثل الحوثيين لتهديد الملاحة في مضيق هرمز، مع تعزيز تحالفاتها مع الصين وروسيا، بالتزامن مع زيارة وزير خارجيتها عباس عراقجي إلى موسكو.
وأوضح أن "رغم ما قد تحققه إيران من توحيد داخلي مؤقت عقب الضربات، فإن سيناريو الاستسلام يبقى قائمًا في نظر واشنطن، خصوصًا مع غياب دعم قوي من الحلفاء، واستمرار الضرر الذي أصاب البرنامج النووي جرّاء القصف الأمريكي".
لا نهاية للمشروع دون نهاية النظام
أما المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني، وجدان عفراوي، فاعتبر أن محاولات واشنطن حصار البرنامج النووي الإيراني كانت سببًا في تطويره، حيث دفع النظام نحو الاعتماد الذاتي وتدريب كوادر علمية محلية، حتى باتت طهران قادرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 20%، ما يضعها على أعتاب امتلاك قنبلة نووية.
وقال عفراوي لـ"جسور بوست" إن "الضربات الأمريكية ربما تؤخر المشروع النووي الإيراني، لكنها لن توقفه بشكل نهائي"، مشيرًا إلى أن "النظام الإيراني يملك الخبرات الكافية والموارد لإعادة تشغيل المشروع، خاصة مع نقل كميات من اليورانيوم خارج المنشآت المستهدفة".
واعتبر عفراوي أن "المشروع النووي الإيراني لا يمكن تدميره بشكل كامل طالما النظام القائم لم يتغير"، لافتًا إلى أن تلويح ترامب الأخير بإمكانية تغيير النظام يمثل رسالة واضحة بأن واشنطن ترى في النظام نفسه جوهر المشكلة.
وأضاف أن "الصراع بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى لن يتوقف إلا بنهاية أحد الطرفين، إما نظام خامنئي أو إسرائيل"، مشددًا على أن "الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل وتماسك جبهتها الداخلية، يقابلهم تراجع في شعبية النظام الإيراني، ما يجعل سقوطه احتمالًا أقرب من أي وقت مضى".
واختتم عفراوي بالقول إن "العودة إلى المفاوضات تبدو مستبعدة في ظل حالة الاحتقان الحالية، ويظل خيار تغيير النظام الإيراني حاضرًا بقوة، وربما أقرب مما يتوقع البعض".